الأدوية في سورية

المراحل الرئيسية للسياسة الدوائية السورية

مرت الأدوية في سورية بعدة مراحل متعاقبة اختلفت فيها سياسة الدواء من الانفتاح المطلق إلى الانغلاق المطلق؛ وخلال هذه المراحل عرف الصيادلة القدماء مرحلة تبيع فيها الأدوية الوكالات والمعامل بشكل مباشر، كما عرفوا مرحلة وجود مؤسسة فارمكس التي احتكرت كل ما يتعلق باستيراد وتوزيع الدواء لمرحلة غير قصيرة، ثم مرحلة انفتاح وإصلاح للسياسة الدوائية لم تستقر بعد.

مرحلة السوق الحرة

وكانت هذه المرحلة تمتع بوجود وكالات أجنبية تعمل بشكل مباشر مع عدد قليل من المعامل الوطنية، واتبعت الوكالات تسويقاً قوياً ضمن الصيادلة شمل الدعاية والكميات الإضافية ( البونص وأنشطة الدعاية مسائل لها ضوابط عالمية ولكن لا تلتزم بها كل الشركات في كل الأوقات)، باختصار كانت هذه فترة سيطرة وكالات الدواء للمعامل الأجنبية مع صناعة دوائية محلية ضعيفة.

مرحلة السياسة المركزية

وكان بطل هذه المرحلة "مؤسسة فارمكس" أو مؤسسة صيدلية وهي جزء من  مؤسسة التجارة الخارجية التي تشمل عدة مؤسسات لتجارة المعادن والآليات التابعة لوزارة الاقتصاد.

مشكلة الأسعار وتثبيتها

في مرحلة سيطرة مؤسسة صيدلية على استيراد وتوزيع الدواء في سورية اتبعت سياسة خاطئة عامة انعكست على الوضع الدوائي إذ تم تثبيت سعر صرف الدولار الرسمي رغم اختلاف قيمته وعلى ذلك فالدواء الذي يباع بخمس ليرات في سورية يباع في لبنان بخمسين ليرة ، وزاد من حجم المشكلة ان القانون المتاثر بالتوجهات الاشتراكية تبنى محدودية وتناقصية الربح للصيدلي فالدواء يربح هامشاً صغير وحتى هذا الربح الضئيل يتناقص كلما ارتفع سعر الدواء، وهذان الأمران اختلاف سعر الصرف الرسمي عن الحقيقي وانخفاض هامش الربح للصيدليات السورية مقارنة بالدول المجاورة أعطيا تشجيعاً كبيراً لتهريب الدواء من سورية إلى الدول المجاورة وبالأخص لبنان، واستمر الوضع طويلاً حتى اتخاذ عدد من الخطوات الإصلاحية ونمو الصناعة المحلية، ومع نمو الصناعة المحلية على حساب المستوردات من الدواء أصبح التهريب يصب في صالح الوضع الدوائي السوري العام ، لأن المعامل مع كل تحديدات وزارة الصحة للكلف ومقدار الربح تنتج دواء تربح منه ويقدم قيمة مضافة وفرص عمل وغير ذلك من القضايا النافعة التي أحدثتها نهضة الصناعة الدوائية من ثلاث معامل بسيطة إلى أكثر من ستين معملاً بعضها بأحجام ضخمة وإمكانات ممتازة.

الحل الناقص لمشكلة فارمكس

كانت فارمكس تشكل المشكلة والحل في مسألة الدواء فقد كانت تحتكر الاستيراد وفي نفس الوقت تعتمد على ميزانية الحكومة وبالتالي فكل عجز أو تخفيض على فاتورة الاستيراد الحكومي كانت تنعكس شحاً في وجود الأدوية البشرية والبيطرية والزراعية ، فكانت فارمكس هي عنق الزجاجة لأزمة الدواء وكان تهريب الدواء مع تثبيت سعره أقل من الكلفة الحقيقية مشكلة إضافية زادت من الوضع الدوائي إلى درجة تحول التهريب إلى الجهة المعاكس أي من الدول المجاورة إلى سورية لتغطية الحاجات الدوائية.
فمشكلة فارمكس كانت في محورين:
  • احتكار الاستيراد (وهذه مشكلة تم حلها جزيئاً) ولكن بطريقة انتقائية وغير مدروسة.
  • احتكار التوزيع وهذه المشكلة تم حلها نحو الأسواء عندما تم تجاهلها في إصلاح الوضع الدوائي

استيراد الدواء

انتقل لاستيراد الدواء من المرحلة الحرة اللامركزية بشكل مطلق إلى مرحلة شديدة المركزية تمسك به فارمكس التابعة لوزارة الاقتصاد، ولكن هذا سبب أمور تفاقمت على مر الزمن:
  • من يحدد ماذا نستورد؟ في كثير من الأحيان كانت فارمكس تستورد عدد من الأدوية المتشابهة التركيب (لم يكن برنامج الأدوية الأساسية مطبقاُ حتى الثمانينات في عهد وزير الصحة الشطي) وكان المجال واسعاً لسوء التقدير وللوساطات وللعشوائية. 
  • الاستيراد ارتبط بالتمويل من مصدر واحد وهو الميزانية الحكومية ووزارة الاقتصاد، فلم يوجد أي نافذة للقطاع الخاص (إلى عهد قريب) بالمساهمة بتمويل المستوردات الدوائية او المشاركة في القرار، وانعكس كل شح مالي في الحكومة إلى شح في توفر الدواء.
  •  تسعير الدواء اعتمد على تسعيرة الصرف الرسمية للقطع الأجنبين وانعكس الفارق على انخفاض سعر الدواء المستورد بحماية من الحكومة ممثلة بقرار وزارتي الاقتصاد والصحة ومن القيادة القطرية التي كان لها الكلمة الفصل في أي تعديل لسعر الدواء منذ 1970 إلى 2012 تقريباً. وهذا التثبيت لسعر الدواء أدى كما ذكرت قبل قليل إلى حالة من استنزاف المخزون الدواء الأجنبي (ووقتها كان يشكل 80% من الأدوية المستعملة) إلى الدول المجاورة

توزيع الدواء

إن  توزيع الدواء هو الجانب الأكثر حيوية من عمل فارمكس فهي توزع على كل المحافظات وفق حصص مقبولة نسبياً، وفي محافظة دمشق كان للمؤسسة عدة مراكز للتوزيع (الفيحاء والنصر وبردى والجلاء) ثم جمعت في ريف دمشق في مركز عين ترما.
ولكن بعد محاولات إشراك القطاع الخاص في الاستيراد ونهوض الصناعة الدوائية الوطنية تقلص دور فارمكس إلى أدنى حدوده، وكان لهذا أثر سلبي لأن الانتقال من نموذج مركزي جداً في توزيع الأدوية إلى نموذج حر بشكل مطلق سبب عدد من الصعوبات معظمها نجم عن اختيار تجاري لمستوردي الأدوية الذين يجدون أن توزيع كمية محدودة من مستورداتهم في بعض المراكز المدنية الكبيرة أفضل من جعلها متوفرة على مساحة القطر ، وهو الأمر الذي كانت مؤسسة صيدلية تقوم به بشكل طبيعي.

مرحلة نهضة الصناعة الدوائية

كانت الصناعة الدوائية تقتصر على معملين للقطاع العام؛ معمل تاميكو التابع لوزارة الاقتصاد ومعمل ديماس التابع لوزارة الدفاع،